وَجهُ أُمّي .. وَجهُ أمّتي
الى الشهيدة

9/10/2013 12:00:00 AM  //  

لم أعد أسمع صرير دواليب عربتك الحديدية الصغيرة تخترق الأرصفة المكسّرة والشوارع المهترئة، وأنت تخرجين بها يومياً من داخل السوق العتيق، بوجهك الشاحب الذي خطّ عليه الدهرُ بصمات الإرهاق والتعب، وعينيك الصغيرتين اللتين تحكيان قصة عذاب طويلة، وتكادان لا تستقران على شيء، وتَجرّين قدميك المتثاقلتين وراء عربتك التي تحمل رأسَ مالِكِ في هذه الدنيا من الترمس والسمسمية وحلوى الأطفال.
أبيْتِ أن تمدي يدكِ لأحد، فانطلقتِ مناضلةً تسعين الى رزقك بعرق جبينك، وتنطلقين الى مشوارك اليومي الطويل، يا فتاح يا عليم، يا رزاق يا كريم!! في حرِّ الصيف كما في برد الشتاء، وتحت زخات المطر، وتعودين في المساء مثقلةً بالتعب، حاملة غلّة يومٍ مضني طويل.
أين أنتِ؟ الأطفال الصغار والزبائن الكبار الذين تعودوا على الشراء منك عند الكورنيش ينتظرون قدومَك بلا جدوى!!
وكان ما كان في يوم جمعة حزين، أسرعتِ كما الكثيرين من أصحاب العربات المتجولة لتقفي أمام بيت من بيوت الرحمن، حيث يخرج المؤمنون المصلّون بعد أداء صلاتهم، فيشترون منكِ بعض ما تيسّر!
وفجأة ماذا حدث؟ إنفجار ضخم هزَّ الساحات، وزعزع الأبنية، وحطّم النوافذ والزجاج، واقتلع الأشجار، وحفر الأرض، ونثر أشلاء البشر في كل مكان، وأشعل النار هنا وهناك، وقذف بالسيارات أنقاضاً وقطعاً محروقة في كل اتجاه.
كانت رائحةُ الموت تعبق في الأرجاء ممزوجة بالدخان الأسود وجثث الضحايا وبقايا الأجساد المتفحمة.
إنها الفاجعة! إنها الكارثة! إنها الدمار! إنها الموت الجماعي والخراب الذي أدمى القلوب وأبكى العيون وفجّر الأحقاد! وأنتِ أين أصبحتِ؟ وإلى أين قذفت بك يدُ الإجرام؟
لعَنضهم الله... إنه المنتقم الجبار! لن يتركهم أبداً أولئك السفاحين. العدالة قادمة لا محالة، عدالة السماء، ما ذنب كل الأبرياء؟
تحولتِ الى أشلاء كما كل من حولك وبالقرب منك.
أكادُ أجزم بأنك رفعتِ عينيك الى السماء، وشكوتِ الى الله نهاية رحلتك اليومية البائسة! فاخترقتْ سهامُها عنان السحب السوداء شاكيةً الى ربِّ كريم ظُلمَ أناسٍ تحولوا من بشر الى حجارة صماء!!
نامي قريرة العين يا عزيزتي!! ستذكرك الساحات والشوارع وشواطئ الكورنيش، حيث كنت تحطين رحالك.. وستبكيك أمواج البحر التي كنت تشكين إليها همومك ومتاعبك!
عزائي فيك أنك رحلت شهيدة، ونلت المرتبة العظيمة، والنهاية السعيدة!
فارقدي هانئة واستريحي في جنان النعيم حيث لا قسوة ولا فجور ولا جرائم ولا مخابرات.. بل عدالة رب كريم.

*رئيسة الهيئات النسائية الموحدة في الشمال
رئيسة لجنة الأمهات




تألفت لجنة الأمهات في لبنان بموجب علم وخبر رقم (506) تاريخ 27/04/1960, تأسس فرع طرابلس سنة..